غالبا ً ما ننسى الأشياء البسيطة الموجودة في حياتنا ونكرس وقتنا لأشياء نظنها كبيرة ولكنها في الواقع إشارات مزيفة لسعادة وهمية. الكثيرون منا يعرفون من البداية ما هي السعادة التيليس لها رصيد ولكننا نفضل الوهم على الواقع. كنت أتكلم مع أحد الأصدقاء منذ فترة قصيرة وقال لي أنه يشعر وكأنه ليس له ذكريات مع وألاده عندما كانوا صغاراً لأنه عندما كانيتصفح البومات صورهم، كان يحس أنه كان غائباً في زمان طفولتهم. سألته عن شعوره فأجاب "أشعر بخسارة كبيرة".
لا نستطيع أن نرجع إلى الوراء ولا نستطيع أن نعبر فوق التجارب القاسية والخيبات. هناك طريق واحد يرفعنا فوق المعاناة والتجارب الصعبة والخيبات وهو من خلال التجربة نفسها. فيالمكان الذي أنت فيه اليوم عندك نقطة بداية وحيدة لكي تعرف هدف حياتك وتجد غاية وجودك. عليك أن ترجع وتتذكرأن الله يحبك.
كان داود أكثرشخص في الكتاب المقدس قد تحدث عن محبة الله وكان عنده ثقة بمحبة الله وكان أكثر شخص إحتمى بمحبة الله وأخبر عن محبة الله ومع ذلك لم يقدر أن يفهم هذا الحبالإلهي للإنسان. داود يسأل متعجباً "فمن هو الإنسان حتى تذكره وإبن آدم حتى تفتقده وتنقصه قليلاً عن الملائكة وبمجد وبهاء تكلله" (مزمور ٨: ٤ - ٥).
قد تشغلنا هموم هذا العالم ومشاكله عن محبة الله لنا التي أخبرنا الكتاب المقدس عن مدى أبعادها وقيمتها بقوله " لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل إبنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمنبه، بل تكون له الحياة الأبدية" (يوحنا ٣: ١٦). وظهرت هذه المحبة منذ البداية عندما نطق الله كلماته الأولى لآدم وحواء "وباركهم الله وقال لهم اثمروا واكثروا واملأوا الأرضواخضِعوها..." (تكوين ١: ٢٨). بركة الله لآدم وحواء سبقت كل وصية. كلمة البركة تعني كونوا سعداء كونوا فرحين وتدل على محبة الله لنا وقصده لنا أن نختبر تلك المحبة.
لقد كان من الصعب علي أن أقبل أن الله يحبني أنا. فكرة المحبة بين الله والإنسان كانت فكرة ضعيفة بالنسبة لي لا يتقبلها العقل ولا تليق بإله قادرلا يحتاج لأحد. وإن كان الله لا يحتاجلمحبتي فلماذا يحبني؟ فكرة الحب بيني وبين الله كانت فكرة رومنسية وحميمة لم أستطع أن اقبل أنها تليق بالرب القوي والقادر، إله الجنة وإله النار، إله العدالة والمحاسبة والدينونة. لم أكنأعلم أنني لم أستطع أن أصدق محبة الله لي لأني كنت في أعماق نفسي أرى أنني لا أستحق المحبة. خطير جداً أن نظن ونعتقد أن الله ينظر إلينا كما نحن ننظر لأنفسنا، بينما الحقيقية هيأننا نحن نحتاج أن نتعلم رؤية أنفسنا كما يرانا الله وأن نتعامل مع أنفسنا كما يتعامل الله معنا، بالنعمة والرحمة. والجدير بالذكر هنا هو أن فكرتنا عن الله هي ذات فكرتنا عن أهلنا والذينربّونا وعلّمونا المحبة. اذا كنت قد ترعرعت في منزل كان الأب فيه عنيف وغضوب قد يصعب عليك أن تنظر إلى الله، أبيك السماوي، كإله المحبة والرأفة والحنان، وقد تبقى فكرة الابوةعندك مرتبطة بالقسوة والتسلط والجبروت.
الخطية والنعمة
أذكر عندما كنت صغيرة، سرقت حبة حلوى وكانت أول مرة أشعر فيها برهبة الخطية. فكّرت، ماذا سيحدث عندما تعرف والدتي أني سرقت؟ شعرت بالعار، وشعرت أنني لم أعد أستحقمحبة أمي وثقتها بي. وعرفت أنه لا يمكنني أن أفعل أي شيء لأعوض عن السرقة. شعرت أن امي لن تحبني فيما بعد وشعرت أن الله عنده سبب محق كي لا يحبني. حكمت على نفسيأني انسانة سيئة. ربما تعرف هذا الشعور واختبرته أيضاً في حياتك وجعلك تشعر أن الله لن يلتفت إليك بسبب خطيتك. هذا الشعور هو جزء من نتيجة الخطيئة التي أجرتها الموت. هذاالدمار النفسي والبقاء في عقدة الذنب والحياة مع العار والانفصال عن محبة الناس ومحبة الله هو الموت، موت النفس. فماذا يرد للنفس حياتها ؟ الحب! كل نفس حية يغادرها الحب تموت،وكل نفس ميتة الحب يعيد لها الحياة. المشكلة أننا كما نعلم لا نستطيع أن ندفع ثمن كل خطايانا ونعوِّض عنها ونمحو أثرها وكإنها لم تحدث. فماذا نفعل لنعوِّض عن جريمة قتل؟ لا نستطيعبالإعتذار أن ندفع ثمن الإهانات ولا ثمن أصغر خطايانا. ومهما فعلنا من أشياء تعبر عن حبنا لا نستطيع أن نعوض خيانتنا لشخص يحبنا. لكن شكراً للرب لأن ما هو مستحيل عند الإنسانمستطاع عند الله. كيف؟ بالنعمة . وحدها النعمة، نعمة الغفران المجاني، تدفع ثمن خطيتنا وتغسلنا وتنشلنا من وحل الماضي وتعطينا فرصة جديدة وتمنحنا غفران بلا مؤهلات. لكن ماذايحرك النعمة ؟ لا يحركها شيء سوى المحبة.
فكرة الصليب كانت فكرة عقلانية جداً بالنسبة لي، على عكس ما يظن البعض، لأنه كيف يمكن للإنسان أن يدفع ثمن خطاياه؟ إذا كان تعامل الله مع خطايانا بالنعمة المجانية غير منطقي،فهل من المنطق أن الإنسان لا يغرق في الوحل وطبيعته وحل؟ إن لم يستطع الله أن يغسل فساد طبيعتنا هل يقدر الإنسان أن يغتسل من الفساد و طبيعته فاسدة؟ وإن كان القدوس لا يقدر أنيسكن مع الفاسد من سيجمع الله والإنسان؟
تذكر معي، هل مرت عليك لحظة إشتهيت بها شيئاً ليس لك؟ هل في مرة ما كنت سبب عثرة لأحد من الناس؟ كيف تعوض تدمير كرامة إنسان؟ كيف تستطيع أن تدفع ثمن خطيتك وتلغيالأذية التي تسببت بها؟ بالنعمة الإلاهية. ما أعظم محبة الله الذي أعطانا هذه الكلمة لكي تعود فترمم حياتنا وقلوبنا . فبالنعمة تُحب من دون استحقاق ويغفرلك لسبب واحد، لكي تعطىفرصة حياة أفضل.
بالنسبة لي صليب المسيح كان حل عقلاني جدا ً. لم أقبله بالعاطفة بل بكامل عقلي. إن كان لا بد من دينونة وحساب أمام الله بسبب الخطية، يصبح من الضروري أن الله بنفسه يسدد فاتورةضعفي لأني لا أملك أي شيء أمام الذي يملك كل شيء. فالله قادر أن يتعامل مع بشاعة خطيئتي ودمار الخطية الشامل في حياتنا. فالله وحده الذي يقدر أن يكون في ذات الوقت الواحد محبةكاملة وعدالة كاملة.
على الصليب كلمة الله (أي المسيح) عمل العمل الذي لا يمكنني أنا أن أفعله مهما حاولت. لكن معادلة الصليب بقيت فارغة من الحب، الصليب كان مجرد شيء قام به الله لأنه قادر وشيءأنا بحاجة إليه لأني عاجزة. عملية حسابية فارغة من أي عاطفة وجافة . في أحد الأوقات وجدت نفسي أمام سؤال كبير، لماذا يقول الناس أنهم مؤمنون ولكن حياتهم لا يوجد فيها أي تغيير؟لماذ أرى تدين ولكن دون طهارة؟ لماذا أجدنا مجروحون وغير قادرين أن ننمى وننضج ونشفى من جروحنا؟ لماذا أعيش دائماً بخوف من الفشل وعدم القدرة على إرضاء الناس الذين فيحياتي؟ لماذا أشعر أن كل الناس عندهم شيء أفضل مني، وأني بالرغم من الموهبة التي أعطاني إياها الله لن أقدر أن أحقق أي شيء ذو قيمة في الحياة؟ هذه الأسئلة جعلتني أواجه نفسيوأرى أني لست أفضل من الآخرين. أذكر أني كنت عند طرح هذه الأسئلة على نفسي في غرفتي أدرس الكتاب المقدس محاولة أن أجد ما يريحني. كنت أفكر لماذا لا استطيع أن أتغييربالرغم من إيماني بكل كلمة في الكتاب المقدس؟ فجأة سرحت بأفكاري وأخذت أفكر بأولادي وشعرت بفرح كبير وشعرت بدفئ كبير فيقلبي بسبب محبتي لهم ولكن شعرت بخوف وقلت ياريتني أستطيع أن أضع كل السعادة والفرح والحب والسلام والخير بكبسولة واحدة وأسقيها لأولادي حتى أضمن أنهم لن يتألموا ولن يأذيهم أحد أو يجرحهم ولن تكسرهم الحياة. وفكرت لوكنت أعرف إن أعطيتهم حياتي سيعيشوا بأمان أنا مستعدة. وفجاة قلت لنفسي، انا مستعدة أن أموت من أجل أولادي والسبب الوحيد هو أني أحبهم. وهنا أتاني السؤال شعرت أن الربيسألني إياه، من دون المحبة ماذا يجعل أي شخص يضحي؟ دون المحبة، لماذا يخلص الله الإنسان؟ لماذا يريدني أن أكون معه في السماء او في الجنة ؟ هل الله محتاج لوجودي في السماء؟ وهل يمكننا في عزلة عن تنازل الله ليغسل فسادنا أن نرفع أنفسنا بأنفسنا لنكون في محضره الأبدي القدوس الطهار؟
هنا، ولأول مرة، قبلت أن الله القدوس القادر يحبني. شعرت بمحبة الله تنسكب كنهر حياة في قلبي وقبلت بكل بساطة وامتنان أن الله يحبني. هذه كانت أول لحظة تغيير حقيقي، أول لحظةتجديد، في حياتي. الله بيحبني وكل عمل يقوم به في حياتي له سبب وحيد وهو محبة الله لي.
عليك اليوم أن تقرر أن تبني حياتك على اساس وحيد وهو محبة الله لك وليس محبتك أنت لله، لأنك لن تستطيع أن تحب أي شخص أو تقدر أن تحب نفسك إلا عندما تختبر عمل محبة اللهفي حياتك. فهناك ثلاثة أشياء تحكم حياتك كمؤمن تصبح بلا قيمة من دون محبة الله.
١- الصلاة: صلاتك لها قيمة لأن الله يحبك. إن لم يحبك الله فكلامك معه ليس له قيمة أومعنى. صلاتك مسموعة لأن الله يحبك. يقول لنا الرب "في وقت مقبول سمعتك، وفي يوم خلاصأعنتك. هوذا الآن وقت مقبول. هوذا الآن يوم خلاص" (رسالة كورنثوس الثانية ٦: ٢).
٢- الرجاء: عندما يصبح الواقع مستحيلاً، عندما تقفل الأبواب أمامنا، نحن نحتاج للرجاء. عندما نكون قد قمنا بكل شيء ولم يبقى شيء نقوم به قد يبقى عندنا أمل، وهذا الأمل لا يأتي منالفراغ بل من معرفتنا أن لنا إله فوق الطبيعة فوق المستحيل وفوق كل شيء. يقدر أن يتدخل ويغير الأزمنة والأوقات ليعطينا حاجتنا. رجاء المؤمن له أساس وحيد وهو أن الله يحبه"والرجاء لا يُخزي، لأن محبة الله انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا" (رسالة رومية ٥:٥).
٣- النصرة: انتصارك مضمون حقيقي وثابت، ما دمت أنت واثق بالله، وفي حين رجوعك لطاعة الكلمة والصلاة، حتى وإن كانت حياتك مثل الأرض المضروبة بزلزال، الله قادر أن يعودفيبنيك ويبني حياتك. المسيح الذي غلب الموت وغلب الشرير حتى يعطيك حياة يقدر أن ينوِّر فكرك ويرشد نفسك ويقويك في كل لحظة حتى تنتفض على الفشل وتنتصر، وهذا لأن اللهيحبك "ولكننا في هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذي أحبنا" (رسالة رومية ٣٧:٨) .
وفي الختام، الرب يريدك اليوم أن تعرف وتكون على يقين أنه يحبك وأن محبته لك هي أهم شيء في حياتك. فكيف ستتجاوب معه ومع هذه المحبة الأبدية؟
Related
Not any article