ليس هناك معلومات لا يمكن الوصول إليها في يومنا هذا. كلنا نستطيع أن نقرأ صحف العالم جميعها على النت أو الهاتف المحمول، ونستطيع الوصول لأي كتاب نريده وأي فيلم نرغبمشاهدته. ونعرف الممثلين والرياضين والمشاهير العرب والأجانب وخصوصياتهم. كلنا نستطيع أن نعرف من أي بلد أتت ملكة جمال العالم وما تفعله ناسا على المريخ بالصور الحية. كلنانستطيع أن نعرف كل يوم ما يحدث في سوريا وماليزيا وأميركا الجنوبية، ونعرف آخر أغنية نزلت إلى السوق وأحدث سيارة وأحدث التقنيات. كلنا يعرف ما يدور في ببيت الجيران وكلواحد منا عنده نظرية لما يجب على الجار فعله ليصبح إنساناً أفضل. ولكن مع كل هذه المعرفة إن سألتك اليوم كيف ستتعامل مع الخوف الموجود في حياتك هل نجد عندك الجواب؟
عندما تصبح الأمور متعلقة بنا وبحياتنا تصير الأجوبة صعبة ولا نعرف كيف أو أين نجدها. لأن الحياة بواقعها فوضوية ومعقدة. أحياناً نشعر أننا مليئين بالحماس وعندنا طاقة ومبادئوحالتنا النفسية مرتفعة، وأحيانا نشعرأننا مكتئبين وأن كل المشاريع التي تشغلنا فارغة ومبادئنا لا قيمة لها.
وهنا لا أتكلم عن الأشخاص الذين يشعرون بهذا التأرجح من حين لآخر لأننا جميعاً عرضة لتقلب مشاعرنا، فحتى داوود النبي الذي يقول عنه الكتاب المقدس أنه رجل حسب قلب الله، وقدكان ملكاً من أقوى الملوك الذين حكموا شعب الله، كان يوماً يرنم "باركي يا نفس الرب ولا تنسي كل حسناته،" ويوماً ثان ٍ يقول "لماذا أنتِ منحنية يا نفسي؟ ولماذا تئنين فيّ؟ ارتجيالله..." (سفر المزامير ١٠٣: ٢ و٤٢: ٥).
أنا أتكلم عن الذين يعيشون تقلبات عاطفية وروحية في معاناة يومية. كم مرة تستيقظ وكلك أمل وفجأة تصبح فتكون الدنيا كلها سوداء، حتى أنك لا تجد القوة لتصلي؟ ما سبب هذا التأرجح؟هل الله قوي عندما تكون قوياً، والله ضعيف عندما تكون أنت ضعيفاً؟ هل المشكلة في قدرة الله؟ هل المشلكة أن إيمانك ضعيف، أم انه يوجد في داخلك صراع لا تعرف سببه؟ لنرجع لداوودالذي كان شعوره في لحظات الضعف ولحظات القوة ثابت وإيجابي تجاه نفسه، إذ لا نقرأ في المزامير أن داوود قال مثلاً "كرهت نفسي". وحتى عندما ارتكب داوود أبشع الخطايا من القتلوالزنا وقف أمام الرب بانكسار ولكن بجرأة المستحق وقال "اغسلني فأبيضُّ أكثرمن الثلج" (سفر المزامير ٥١: ٧). تضرع داوود للرب "رد لي بهجة خلاصك... فأعلم الأثمة طرقك" (سفر المزامير ٥١: ١٢ و١٣). ارتكب أبشع الفظائع لكنه تجرأ وقال أريد أن أعلم الناس الخاطئين طرق القداسة والطهارة. كبرياء داوود كان مكسوراً ولكن قيمته كإنسان لم تنكسروتقديره الصحيح لنفسه لم ينكسر لأنه كان واثقاً بقيمة حياته لدى الآب السماوي.
كان أيوب أكثر انسان بار في عيني الرب، ولكن أيوب قال بوقت من الأوقات "كرهت نفسي حياتي" (أيوب ١٠: ١). لماذا لم يقدر داوود أن يكره نفسه حتى عندما كان في الوحل؟ يبدولأنه لم يكن ينظر لنفسه بعيون الناس أو بعيون نفسه أو من خلال بشاعة الواقع او حتى ضعف حالته النفسية، كانت مرآة داوود نظرة الله اليه، محبة الله له. وكأنه يقول "أنا واقف أمامكيارب وأعرف ما هو في قلبي مع إني لا أعرف السبب. ولكن أنت تعرف يا رب، وأنا محتاج إليك يا رب". أنصحك أن تفعل مثله. قف وقتاً أمام الرب وتطلع بوجه الرب عبر كلماتهواسمح لكلمة الرب أن تحل محل كل كلمة من كلماتك محل كل فعل من أفعالك محل كل انتقاد وكل قسوة وستجد نفسك مستحقاً للمحبة وعندها يصبح فكر الله هو منبع أفكارك.
التقدير الصحي للنفس وللآخرين في حياتنا لا نراه إلا عند القلائل من البشر الذين يتمتعون بأفكار وعواطف متوازنة ومتناغمة ويعيشون فقط كما يحق لإنجيل المسيح. والعيش فقط كمايحق لإنجيل المسيح لا يعني أبداً أن حياتي لا يوجد فيها خطية. أنت بخير عندما تكون نفسك من الداخل بخير واختبرت المسيح وتغييّرت. قد يكون أسهل علينا أحياناً أن نعيش حسبالقوانين والوصايا، الأشياء التي ترسم لنا صورة جميلة في المجتمع، من أن نعيش بصدق وتناغم مع أنفسنا. إن أول علامات التقوى في حياة المسيحي الحقيقي هي الفرح الصادق. الإنسانالفرحان هو إنسان عنده حب وعنده سلام، وفقط عبر هذا التغيير نقدر أن نقنع الآخرين أننا نعيش الإنجيل وأن كلمة الله حية وفعالة. تستطيع أن تقول لإبنك كل النهار "كلمة الله حية، كلمةالله تغير حياتك. أنت محتاج لكلمة الله. إقرأ الإنجيل وتعال معي إلى الكنيسة،" ولكن الطريقة الوحيدة التي ستجعل ابنك يصدق كلمة الله ويحبها هي عندما يرى هذه الكلمة غيّرت حياتك.
كلمات داوود في المزمور ٢٣ "الرب راعيّ… يرد نفسي ويهديني إلى سبل البر..." تعلمنا انه صعب على الإنسان أن يجد طريق الحياة قبل أن يجد نفسه. قبل أن نسلك الطرق التيترضي الله وترضينا يجب أن نسترد نفوسنا التائهة.
تربيت في مجتمع زراعي، وكان الناس يربون المواشي. وإن أضاعوا خروفاً كانوا يقولون "سنذهب إلى فلان لأنه عنده طريقة حتى يمنع الوحوش من أن تفترس الخروف". وفعلاً كانالناس يجدون خرفانهم الضائعة في اليوم التالي دون أن يعرفوا ما الذي يفعله ذلك الرجل. ولما كبرت، صار عندي حشرية أن أعرف ما هي الطريقة. ومرة سألت أحد الأشخاص الذينكان الناس يقصدونهم. وبعد الإصرار على معرفة الصلاة التي كان يصليها فتح الشخص ورقة من جيبه وبدأ يقرأ الرب راعي فلا يعوزني شي، أي المزمور ٢٣. كان الناس يؤمنون بما لايعرفون.
الرب يسوع هو الراعي الصالح الذي جاء من أجل كل إنسان ضال وكل نفس ضائعة. الرب يعرف أن براءتك سرقت منك وأن نفسك مسلوبة، لكن الرب اليوم يريدك أن تكشف نفسكأمامه بصدق وثقة كي يعطيك الشفاء الكامل. البقاء في الماضي يعوقنا، بل يشل كل طاقاتنا. الله يريدنا أن ننظر إلى الأمام كي نسلك إلى الأمام. الخروج من الماضي يستعدي تحديد الأشياءالتي نحتاج أن نتركها خلفنا نفسياً وروحياً، مما يعني العودة للماضي وآلامه قبل أن نخطو أية خطوة للمستقبل.
ما هي الإحتياجات الأساسية للنفس والتي ربما لم نحصل عليها كأطفال ومراهقين؟ يشعر الإنسان أنه بخير ويحقق توازنه النفسي ويبني ثقتة بقيمته عندما يختبر التجاوب من الناس حوله،ولا سيما من الأهل في الطفولة. الطرق التي يختبر كل إنسان من خلالها تجاوب الآخرين معه ثلاث:
١- التشجيع: عندما يشجعنا الناس أو يوافقوا معنا على الأشياء التي نقولها أو نفعلها، أي كأنهم يصفقون لنا، يصبح عندنا ثقة بالنفس تزداد مع الوقت ويعلو معها تقدرينا لأنفسنا. ومع حالةالقبول هذه يصبح لدينا قدرة أن نثبِّت مبادئنا وأهدافنا وتطلعاتنا في الحياة. لكن في غياب التشجيع في الماضي أوالحاضر وحين لا يعطي المقربون منا إنتباهاً للاْشياء التي نقوم بها ولايعطونها قيمة، يصبح لدينا شك بأنفسنا. وهذا الشك يخلق لدينا شعور دائم بالنقص.
٢- السند: وجود السند العاطفي والنفسي الأمين، أي المقدرة على الإتكال على الأشخاص في حياتنا في الأوقات الصعبة، أو عندما نكون متعبين فيكون هؤلاء الأشخاص حاضرين لتهدئةمخاوفنا واسنادنا ورفع معنوياتنا، فنشعر بهدوء داخلي لأنهم تجاوبوا مع خوفنا واحتاجنا. وعندما يكون بجانبنا أشخاص أقوياء في الأوقات الصعبة، نشعر أننا متحدون بهم كمصدر قوةلحياتنا ومع الوقت نتعلم أن نواجه الخوف ونتخطاه لأننا لم نُترك بمفردنا خائفين.
٣- الإنتماء: الشعور بالإنتماء إلى الذين نحبهم، أي أن نشعر أننا لسنا غرباء عن الذين يعتنون بنا بحيث يمنحونا ثقة أننا مثلهم مقبولين كما نحن بكل ما فينا. هذا يخلق في داخلنا شعوربالإنتماء والإرتباط وأننا جزء من المجموعة ولنا مكان بينهم وتجمعنا معهم أشياء لها معنى. ومع الوقت ومن خلال هذا التجاوب من أشخاص جعلونا نشعر أننا ننتمي إليهم، نرى أنفسناأشخاصاً مقبولين ولسنا غرباء أومنبوذين.
هذا التجاوب من الناس في حياتنا هو جذور الحياة المتوازنة والنفس المتماسكة والنفس المليئة بالحياة. ان لم تشبع هذه الإحتياجات في طفولتنا وفي سن المراهقة يتولدُ لدينا شعورأننا ناقصون دائماً، فنشعر أننا أقل من الآخرين وأنا داخلنا فارغ فنحاول أن نعوض ذلك النقص والفراغ ولكن دون شبع أو رضى، ولا نستطيع أن نجد أنفسنا في أي مكان ولا حتى معالرب.
في علم النفس هناك ما يسمى بمبدأ المرآة، أي أن الإنسان يحتاج إلى أشخاص يكونون مرآته ويرى نفسه جميلاً ذات قيمة عالية في أعينهم. هذا الإحتياج لا يتغير أبداً مع العمر. واذاضاعت مرآتِنا ونحن صغار، إن لم نكن قد رأينا صورتنا جميلة في أعين أهلنا أو الذين اعتنوا بنا، إن كانت نظرة الأهل إلينا تجعلنا نشعر بالعار من أنفسنا أو أننا غير جديرين في نظرهم،نمضي العمر كله نبحث عن مرآة تعكس صورة جميلة لنا.
المرآة الصحية للإنسان هي أولاً ودائما الله. الله يرانا دوماً مستحقين للحب وكرامتنا غالية في عين الرب لأننا أولاده وعلى صورته كشبهه خلقنا، اخطاءنا لا تفصلنا عنه وإنجازاتنا ليستهي التي تنشيء قيمتنا ومكانتنا وحضورنا في الحياة. الله من خلال كلمته يريد ان يملأ احتياج الماضي ويغير نظرتك إلى نفسك من خلال مرآته"ونحن جميعاً ناظرين مجد الرب بوجهمكشوف كما في مرآة نتغير إلى تلك الصورة عينها من مجد إلى مجد كما من الرب الروح" (الرسالة الثانية إلى كورنثوس ٣: ١٨).
الرب يسوع هو المرآة الحقيقة لكل واحد منا ومع أنك قد تكون فقدت من يراك حسناً وجميلاً، الرب يريدك اليوم أن تجعله مرآتك. وكلما تطلعت فيه أكتر، بالصلاة وقرأة الكلمة والتعرفإلى أفكاره من نحوك، وأمانته معك والبركات التي أعدها لك وقدرة الروح القدس على إرشادك وإخراجك من الماضي إلى حياة أفضل، كلما رأيت نفسك أنك فعلاً مستحق كل كرامة وكلتقدير وكل حب وإنك قادر!
Related
Not any article